مُنْذ صِغَري وَأنَا أَملِك فُضولا كبيرًا لِكلِّ الأشْياء حوْلي. كثيرًا مَا أَطرَح الأسْئلة على من حوْلي، سَوَاء كَانُوا أَهلِي أو أصْدقائي أو مُعَلمِي. ومع الوقْت، تَعلمَت من المجتمع أنَّ بَعْض الأسْئلة قد يَكُون مِن الأفْضل إِبْقاؤهَا فِي عَقلِي حَتَّى يحين الوقْتُ المناسب لِطرْحِهَا أو يَكُون الطَّرف الآخر مُسْتعِدًّا لِتلقِّيهَا!
سافرتْ وَتَعلمَت وَتَجولَت وَتَغربَت وَتَيقنَت أنَّ السُّؤَال هُو أحد أهمِّ مَفاتِيح التَّعَلُّم والتَّطوُّر. كذلك، آمنتْ أنَّ النَّقْد لَيْس مُجرَّد وَسِيلَة لِتحْسِين العمَل؛ بل هُو حجر الأسَاس لِبناء مَعرِفة عَمِيقَة ومتينة. النَّقْد البنَّاء لَيْس فقط لِلتَّجْويد؛ إِنَّه ضَرُورَة لِلتَّطَوُّر والنَّجاح. خُذُوا المجَال اَلعلْمِي على سبيل المثال: لََا يُمْكِن لِأيِّ وَرقَة عِلْميَّة أن تَنشُر دُون اَلمُرور بِعدَّة مَراحِل مِن التَّقْييم. تَبدَأ هَذِه الرِّحْلة مِن الموافقات البحْثيَّة والدَّعْم، حَيْث يَتَعرَّض الباحث لِلنَّقْد مِن اللِّجان، مُرورًا بِاللِّجان الأخْلاقيَّة أن تَطلَّب الأمْر، وَمِن ثمَّ المشاركة فِي المؤْتمرات حتى النشر، حَيْث يَستَمِع الباحث لِآراء وانْتقادات مِن المتخصِّصين وغيْرهمْ. هذَا النَّقْد يَكشِف عن زوايَا خَفيَّة قد لََا يراهَا الباحث بِنفْسِه، وَيثرِي النِّقاش، ويعزِّز التَّحْسين المسْتمرُّ.
النَّقْد الإيجابيُّ القائم على المعْرفة هُو حجر الزَّاوية فِي تَطوِير أيِّ فِكْرَة أو مَشرُوع. وَمِن هُنَا، عليْنَا أن نُحَافِظ على قِيمة النَّقْد كَأَداة لِلتَّطْوير والابْتكار. وَمِن تجْربَتي الشَّخْصيَّة، إن اَلقُدرة على رُؤيَة الجوانب السَّلْبيَّة تمامًا مِثْل المرْآة الجانبيَّة فِي السَّيَّارة اَلتِي نحْتاجهَا أَثنَاء القيادة و قد تحْمينَا مِن الحوادث.
هُنَاك دائمًا نِقَاط عَمْياء يَجِب الحذر مِنهَا فِي الحياة. نَحْن بِحاجة إِلى أَشخَاص يمْلكون هَذِه اَلقُدرة على رُؤيَة نِقاطِنَا العمْياء، ويقدِّمون لَنَا نَصائِح قد لََا نراهَا بِأنْفسنا. هؤلاء الأشْخاص هُم مِن يجْعلوننَا نرى أبْعادًا أُخرَى لِقراراتنا. نَحْتاج إِليْهم تمامًا كمَا يَحْتاج أيَّ مَشرُوع نَاجِح إِلى فريق عمل مُتنوِّع، يَجمَع بَيْن الحالمين والْواقعيِّين.
النَّقْد هو ما نتحتاج وليس التَّصْفيق لِكلِّ إِنْجاز!